التاريخ عند العرب
راعى المؤرخون العرب صدق الرواية في تأريخهم لأنفسهم ولغيرهم من الأمم
الأخرى. وكانت أغلب مؤلفاتهم تدور حول تاريخ البلدان التي فتحوها، وتاريخ
الإسلام وتاريخ أهم الأقطار والمدن كمصر والأندلس والمغرب ومكة والمدينة
ودمشق وبغداد. ومن أبرز المؤرخين العرب والمسلمين المسعودي وأهم مؤلف له
في التاريخ مروج الذهب، ومحمد بن جرير الطبري وأشهر كتبه تاريخ الرسل
والملوك، ومن أشهر المؤرخين في العالم عبدالرحمن بن خلدون ويُعد كتابه
المقدمة من أروع وأوسع كتب التاريخ، وقد استقاه من ملاحظاته فيما يقع من
أحداث، ويرى أن هناك اطرادًا في السلوك الإنساني شبيه بما يحدث في
الطبيعة. كما أدى انتشار العربية بين غير العرب من نصارى ويهود إلى أن ألف
بعضهم كتبًا في التأريخ النصراني واليهودي باللغة العربية، ومن بين هؤلاء
البطريرك يوتيخيوس والأسقف ساويروس الملقب بأبي البشر بن المقفع وقد ألفا
في تاريخ الكنائس الشرقية. ومن أفضل كتب التاريخ التي ألفت في القرن
الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي كتاب عبدالرحمن الجبرتي عجائب
الآثار في التراجم والأخبار ويعد الجبرتي من بين أشهر مؤرخي العالم
العشرة.
ومعظم ما كتب عن تاريخ العرب والمسلمين ـ خلال نهاية القرن التاسع عشر
وإلى ما بعد النصف الثاني من القرن العشرين ـ كان قد كتبه المستشرقون
والمستعمرون، وقد وضعوا الأسس الحديثة لكتابة هذا التاريخ، وكانوا ملتزمين
فيه بما يعود عليهم بالنفع وهو ما لا يشترط، في الغالب، أن يعود بمثله على
العرب والمسلمين. إلا أنه ظهرت مؤلفات في منتصف القرن العشرين الميلادي
ونهايته صارت تتناول التاريخ العربي من منظور أوسع، من ذلك كتاب محمد كرد
علي الإسلام والحضارة العربية، وعبدالمنعم ماجد في كتابه التاريخ السياسي
للدول العربية، وأحمد شلبي في موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.
العصور الوسطى
شارك الكتاب النَّصارى بما فيهم عدد من الرهبان في غالبية المدونات
التاريخية عن تلك الفترة، وقد حاول بعض المؤرخين النصارى كتابة تاريخ
عالمي يمزج كلاّ من التاريخ اليهودي والنَّصرانيّ، مع سجلات الماضي
الإغريقي والروماني. قدم الراهب أوزبيوس من قيسارية في فلسطين في أوائل
القرن الرابع الميلادي، التاريخ العالمي الأكثر أهمية في نموذجه. وكذلك
تاريخ النَّصرانيَّة المعروف باسم التاريخ الكنسي، وأوضح فيه أن الله
يسيطر على الحوادث البشرية. وطَوّرَ القديس أوغسطين هذه الفكرة خلال القرن
الخامس الميلادي، إلى فلسفة للتاريخ ضمن كتابه مدينة الله.
كان من المؤرخين الغربيين في أوائل العصور الوسطى الأوروبية الراهب
الإنجليزي بيدي، وكان مؤلفه الرئيسي التاريخ الكنسي للشعب الإنجليزي
(731م)، الذي ما يزال مصدرًا رئيسيًا للتاريخ الإنجليزي عن تلك الفترة.
حاول العديد من مؤرخي العصور الوسطى، وفيهم بيدي، إظهار الدور الإلهي في
الحوادث التاريخية. وتبدو أعمالهم مقبولة اليوم، باعتبارها وثائق رئيسية
لتلك الحوادث التي تناولتها مؤلفاتهم.
وكتب المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون، في القرن الرابع عشر الميلادي،
دراسته التاريخية ذات المجلدات السبعة. وكذلك تتابعت عملية التأليف
التاريخي في القرن الخامس عشر الميلادي، وركّز المؤرخون الأوروبيون على
الدور البشري في الحوادث والإقلال من الدور الإلهي.
ليوبولد فون رانكه الألماني الجنسية وضع كثيرًا من طرق البحث التاريخي الأساسية.
العصور الحديثة في أوروبا. كان العالم البريطاني إدوارد جبون واحدًا من
المؤرخين في أوائل العصور الحديثة، وقد أظهرت دراسته تاريخ انحطاط
الإمبراطورية الرومانية وسقوطها (1776- 1788م) أنه عالم دقيق ومتقن. وعكس
كتابه أيضًا نزعته ضد النَّصرانيَّة، لأنه يعتبرها مسؤولة ولو بقدر ضئيل
عن سقوط الإمبراطورية الرومانية.
تطورت طرق الدراسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبح
التاريخ ميدانًا أكاديميًا مميزًا. ولعب المؤرخ الألماني ليوبولد فون
رانكه دورًا في تطوير دراسة التاريخ في القرن التاسع عشر. عُرف رانكه في
الغرب بأبي التاريخ الحديث. فقد قسّم الطرق الرئيسية المتبعة من قبل
المؤرخين المحدثين لتحليل وتقييم الوثائق، وقدّم أيضًا طريقة الحلقات
الدراسية لتدريب مؤرخي المستقبل على طرق البحث، ودرس التاريخ السياسي بشكل
رئيسي.
بدأ المؤرخون الأوروبيون والأمريكيون في القرن العشرين بالتركيز على أهمية
القوى الاجتماعية والاقتصادية في التاريخ. ويدرس المؤرخون اليوم، تلك
القوى وكافة المواضيع الأخرى عن الماضي البشري